فصل: الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يُوجب نقض الْعَهْد وَمَا لَا يُوجب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْبَحْثُ الْخَامِسُ فِي تَفْصِيلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ:

.الْأَوَّلُ الْجِزْيَةُ:

فَلَوْ أَقَرَّهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ أَخْطَأَ وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالرَّدِّ إِلَى الْمَأْمَنِ وَأَكْثَرُ الْجِزْيَةِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ وَيُخَفَّفُ عَلَى الضَّعِيفِ بِالِاجْتِهَادِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُنْقَصُونَ مِنْ فَرْضِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُسْرٍ وَلَا يُزَادُ لِغَنِيٍّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا حَدًّ لِأَقَلِّهَا لِأَنَّ فِعْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا كَانَ بِالِاجْتِهَادِ فَيَجْتَهِدُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِحَسَبِ الْحَالِ وَقِيلَ أَقَلُّهَا دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ ش دِينَارٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» وَقَالَ ح عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْفَقِير اثْنَا عشر درهما وَيُزَاد ولينقص عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ.
تَنْبِيهٌ:
الدَّنَانِيرُ عِنْدَنَا خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهِيَ دَنَانِيرُ الدِّمَاءِ فِي الدِّيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالنِّكَاحِ وَاثْنَانِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ.
تَمْهِيدٌ:
الْجِزْيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الْمُقَابَلَةُ وَالْمَأْخُوذُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ مُقَابِلٌ لِلدَّمِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ اقْتَضَى عِصْمَةَ الْأَمْوَالِ وَالذَّرَارِيِّ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَحِقَّةُ الْقَتْلِ فَلَيْسَ حَقْنُ الدَّمِ هُوَ كُلَّ الْمَقْصُودِ وَيُعْزَى لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا أُجْرَةُ الدَّارِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْتَفِعُ بِالدَّارِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا وَالْمُتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ هِيَ قُبَالَةُ جَمِيعِ الْمَقَاصِدِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَقْدِ سُؤَالٌ عَادَةُ الشَّرْعِ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهُمَا وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا لِتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا ومفسدة الْكفْر توفّي عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ جِزْيَةً بل على جملَة الدُّنْيَا فَلم أقرهم الشَّرْع على الْكفْر بِهَذَا النزر الْيَسِير وَلم لاحتم الْقِتَالَ دَرْءًا لِمَفْسَدَتِهِ جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا لِتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قُتِلَ انْسَدَّ عَنْهُ بَابُ الْإِيمَانِ وَمَقَامُ السَّعَادَةِ فَشَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِزْيَة رَجَاء أَن يسلم فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان وَلَا سِيَّمَا مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَيُتَوَقَّعُ ذَلِكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَذُرِّيَّةِ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَاعَةٌ مِنْ إِيمَانٍ تَعْدِلُ دَهْرًا مَنْ كُفْرٍ وَلِذَلِكَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَأَكْثَرُ ذُرِّيَّتِهِ كُفَّارٌ فَعَقْدُ الْجِزْيَةِ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ تَعَالَى قَالَ فَلَوْ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ سَقَطَتْ عَنْهُ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سُنُونٌ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ إِنْ كَانَ أَقَرَّ أُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ لِعُسْرٍ فَلَا تُؤْخَذُ وَلَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بِالْعَجْزِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ش إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ وُجُوبِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُجْرَةٌ وَعِنْدَنَا بدل مِنْ سَفْكِ الدَّمِ وَحَضًّا عَلَى الْإِسْلَامِ بِالصَّغَارِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَد وهم صاغرون} التَّوْبَة 29 فَشرط فِي إِعْطَائِهَا الصَّغَارُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوَافَقَنَا ش عَلَى إِذْلَالِ الذِّمِّيِّ حَالَةَ الْأَخْذِ مِنْهُ وَالْكِرَاءُ لَا يَقْتَضِي الْهَوَانَ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ ش وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ وُجُوبُهَا بِآخِرِ الْحَوْلِ وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ نَصًّا وَقَالَ ح بِأَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ حَوْلٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدَّمِ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُمُ الْمُبْدَلُ فَيَجِبُ الْبَدَلُ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ لِصِيَانَتِهِمْ سَنَةً وَلَمْ تُحَصَّلْ.

.الثَّانِي: فِي الْجَوَاهِرِ الضِّيَافَةُ:

وَأَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ مَعَ الدَّنَانِيرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ فِي الشَّهْرِ وَثَلَاثَةَ أَقْسَاطٍ زَيْتًا عَلَى مَنْ كَانَ بِالشَّامِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى مَنْ كَانَ بِمِصْرَ إِرْدَبُّ حِنْطَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقَالَ وَلَا أَدْرِي كَمْ مِنَ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الْكُسْوَةِ الَّتِي كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكْسُوهَا النَّاسَ وعَلى أَن يضيفوا من مر بهم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا كُلَّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مَعَ كُسْوَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَالَ وَلَا أَدْرِي كَمْ قَدْرُهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى أَنْ يُوضَعَ عَنْهُمُ الْيَوْمَ مِنَ الضِّيَافَةِ وَالْأَرْزَاقِ لِمَا حَدَثَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَوْرِ.

.الثَّالِثُ: الْإِهَانَةُ:

فِي الْجَوَاهِرِ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ وَالصَّغَارِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى.

.الرَّابِعُ: الْعُشْرُ فِي التِّجَارَةِ:

وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشْرٌ إِنَّمَا الْعُشْرُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اتَّجَرْتُمْ فِي بِلَادِكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْجِزْيَةُ وَإِذَا اتَّجَرْتُمْ إِلَى غَيْرِهَا أَخذ مِنْكُم الْعشْر وَفِي الْجَوَاهِر بؤخذ الْعشْر من تجار الْحَرْبِيين وَلَا بؤخذ مِنَ الذِّمِّيِّ إِلَّا أَنْ يَتَّجِرَ فِي غَيْرِ أُفُقِ عَقْدِ جِزْيَتِهِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا دَخَلَ وَلَوْ دَخَلَ مِرَارًا فِي السَّنَةِ وَقَالَ ح لَا تُؤْخَذُ مِنَ السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ لَنَا فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِتَكَرُّرِ الِانْتِفَاع وَالْحكم فيتكرر بِتَكَرُّرِ سَبَّبِهِ وَاخْتُلِفَ هَلِ الْمَأْخُوذُ عَمَّا يَعْتَاضُونَ وَهُوَ رَأْي ابْن الْقَاسِم أَو عَمَّا يدْخلُونَ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ لِحَقِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْقُطْرِ أَوِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَرْعَانِ:
الْأَوَّلُ:
لَوْ دَخَلُوا بِبِضَاعَةٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَرَادُوا الرُّجُوعَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْعُشْرُ كَالْحَرْبِيِّينَ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُوجِبُهُ.
الثَّانِي لَوْ دَخَلُوا بِإِمَاءٍ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَمْنَعُهُمُ الْوَطْءَ وَالِاسْتِخْدَامَ وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ لِشَرِكَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قُلْنَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ قَدِمَ بِعَيْنٍ فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً أُخِذَ مِنْهُ عُشْرُ السِّلْعَةِ وَقِيلَ عُشْرُ ثَمَنِهَا وَقِيلَ إِنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ فَعُشْرُهَا وَإِلَّا فَعُشْرُ قِيمَتِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ لَوْ أَخَذْنَا عُشْرَ قِيمَتِهَا كَانَ مُشْتَرِيًا مِنَّا عُشْرَ السِّلْعَةِ فَهِيَ سِلْعَةٌ ثَانِيَة فيتسلسل وَلَو قدم بِفِضَّة ليصرفها أَو بِثِيَاب لصبغها ترك عشرهَا بِغَيْر صبغ وَلَا صرف فَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي ذَلِكَ حَتَّى عَمِلَ الْجَمِيعَ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعُشْرِ غَيْرَ مَعْمُولٍ فَإِنْ بَاعَ وَاشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الَّذِي صَبَغَهُ أَوْ ضَرَبَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِيِّ عُشْرُ الْمَعْمُول وَإِذا أكرى الذِّمِّيّ ابله من بلد إِلَى غَيره أَخذ عشر كرائه فِي المكرى إِلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا مَنْ كِرَاءِ الرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ وَقَالَ أَشهب لَا شَيْء عَلَيْهِ لجلاب إِبِلِهِ وَأَوْلَادِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ سَوَاءٌ أكرى من بَلَده أَو من غَيره وَقيل يسْقط الْكِرَاء على قدر مسيره فِيمَا سَارَ فِي بِلَادِهِ سَقَطَ وَيُخْتَلَفُ إِذَا أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ لِيَقْبِضَهَا بِغَيْرِ بَلَدِهِ هَلْ يُرَاعَى مَوضِع العقد أَو مَوضِع الْقَبْض وَإِذا تجر عبيد أهل الذِّمَّة أَخذ مِنْهُم إِلَّا عشر وَاحِد كالأحرار لحُصُول الْمَنْفَعَة وَفِي الْجَوَاهِر لَوْ بَاعُوا فِي بَلَدٍ وَاشْتَرَوْا فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ إِلَّا عُشْرٌ وَاحِدٌ وَلَوْ بَاعُوا فِي أُفُقٍ ثُمَّ اشْتَرَوْا فِي آخَرَ بِالثَّمَنِ فعشران لتَعَدد النتفع فِيهِ وَهُوَ سَبَبُ الْعُشْرُ وَيُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا حَمَلُوهُ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنَ الزَّيْتِ وَالْحِنْطَةِ خَاصَّةً فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنَ الْقُطْنِيَّةِ وَنِصْفَ الْعُشْرِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ الْعُشْرَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِتَكْثِيرِ الْحَمْلِ إِلَيْهِمَا وَقَدِ اتَّسَعَ الْإِسْلَامُ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ مُطْلَقٍ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَوْ نَزَلَ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا قَالَ مَالِكٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَإِنْ خِيفَ خِيَانَتُهُمْ جُعِلَ عَلَيْهِمْ أَمِينٌ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ ذَلِكَ إِذَا جَلَبُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لَا لِأَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا ذِمَّةَ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُرِيقُ الْوَالِي الْخَمْرَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَلَا يَجُوزُ إِنْزَالُهُمْ عَلَى بَقَاءِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ:
مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ فَتَكُونُ مباشرتهم لذَلِك مُنْكرا تحب إِزَالَتُهُ وَتَفْسُدُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهِ وَلَا يُنْقَلُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَتَّضِحُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَيشكل قَول مَالك وَقَالَ إِذا انْتَقَلَ الذِّمِّيُّ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ كَمِصْرَ وَالشَّامِ فَأَوْطَنَ الثَّانِي ثُمَّ قَدِمَ بِتِجَارَةٍ لِلْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بِبَلَدِ عَقْدِ ذِمَّتِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى الثَّانِي قَالَ أصْبع ذَلِكَ إِذَا لَمْ تُحَوَّلْ جِزْيَتُهُ فَلَوِ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ وَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ ثُمَّ اسْتُحِقَّ مَا بِيَدِهِ أورد بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِالْعُشْرِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى الذِّمِّيِّ دَيْنُ الْمُسْلِمِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَلَا يُسْقِطُ الْعُشْرُ دَيْنَ الذِّمِّيِّ قَالَ صَاحب الْبَيَان إِذا نزل الرّوم برقيق فصلحناهم عَلَى عُشْرِ مَا مَعَهُمْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الرَّقِيقُ أُخِذَ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَهُمُ الرُّجُوعُ بِهِمْ وَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِمَعْلُومٍ إِنَّمَا هُوَ مَا يُصَالَحُ عَلَيْهِ وَقَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ عَادَةً حُمِلُوا عَلَيْهَا وَإِذَا نَزَلُوا وَلَمْ يَبِيعُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ بَاعُوا أَمْ لَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِانْتِفَاعِهِمْ بِالنُّزُولِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَالذِّمِّيُّ يَسْتَحِقُّ الْمَسْعَى فِي آفَاقِ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا الْعُشْرُ عَلَيْهِ لِلِانْتِفَاعِ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَسوى ابْنُ نَافِعٍ.

.الْبَحْثُ السَّادِسُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْنَا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ:

فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ وُجُوبُ الذَّبِّ عَنْهُمْ وَصِيَانَةُ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَرْكُ كَنَائِسِهِمْ وَخُمُورِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ فَإِنْ أَظْهَرُوا خمرًا أهرقناها وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا الْمُسْلِمُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ غَصَبَهَا وَجَبَ رَدُّهَا وَيُؤَدَّبُ مَنْ أَظْهَرَ الْخِنْزِيرَ وَلَوْ بَاعَ الْأَسْقُفُ عَرْصَةً أَوْ حَانُوتًا مِنْ كَسبه جَازَ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ صُلْحًا وَلَمْ يَجُزْ إِنْ كَانَ عَنْوَةً وَلَا يَجُوزُ فِي أَحْبَاسِهِمْ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي أَحْبَاسِنَا وَلَا يَحْكُمُ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَنْعِ بَيْعِ الْكَنَائِسِ وَلَا برده وَلَا يُعَاد جِنْسهَا لِأَنَّ التَّصْحِيحَ خِلَافُ الشَّرْعِ وَالْإِبْطَالَ خِلَافُ الْعَقْدِ وَإِنِ اتَّفَقُوا فِي التَّحَاكُمِ إِلَيْنَا فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالتَّرْكِ وَقِيلَ لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِرِضَا أَسَاقِفَتِهِمْ لِأَنَّهُ فَسَادٌ عَلَيْهِمْ وَمُسْتَنَدُ الْمَذْهَب قَوْله تَعَالَى {فَإِن جاؤك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الْمَائِدَة 42 وَمَتَى تَعَلَّقَتِ الْحُكُومَةُ بِمُسْلِمٍ وَجَبَ الْحُكْمُ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَكَذَلِكَ مُخْتَلِفَا الْمِلَّةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْأَسَاقِفَةِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الآخر فيسقطون فَإِن ترافعوا إِلَيْنَا فِي التظالم حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلُزُومٍ ذَلِكَ إِلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ وَلَهُمْ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ مِنَ الذَّبِّ عَنْهُمْ.

.الْبَحْثُ السَّابِعُ فِيمَا يَلْزَمُهُمْ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ:

وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

.النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْكَنَائِسُ:

لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بِنَائِهَا فِي بَلَدٍ بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ مَلَكُوهَا عَنْوَةً وَيَجِبُ نَقْضُ كَنَائِسِهَا فَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنْ يَسْكُنُوهَا بِالْخَرَاجِ وَرِقَابُ الْأَبْنِيَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَشَرَطُوا إِبْقَاءَ كَنِيسَةٍ جَازَ وَإِنْ شَرَطُوا الدَّارَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَلَا تُنْقَضُ الْكَنَائِسُ فَذَلِكَ لَهُمْ ثُمَّ يُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّهَا خِلَافًا لِ ش قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا وَالْمُدْرَكُ أَنَّهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَالْعَيْنُ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ قَدِ انْهَدَمَتْ وَالْعَوْدُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ فَهُوَ مُنْكَرٌ تَجِبُ إِزَالَتُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنَ الزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَقِيلَ لَهُمُ الترميم لِأَنَّهُ من جملَة أغراضهم الملزمة كعصير الْخَمْرِ وَإِنِ اشْتَرَطَ أَهْلُ الصُّلْحِ إِحْدَاثَ كَنِيسَةٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ إِلَّا فِي بَلَدِهِمُ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوهُ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا مُعْتَزِلِينَ عَنْ بِلَادِنَا لِأَنَّ قَهْرَنَا لَهُمْ أَزَالَ ذَلِكَ وَالتَّمَكُّنَ مِنْهُ فَلَا نُعِيدُهُ وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الصُّلْحِ مِنْ إِظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ وَنَحْوِهِ دَاخِلَ كَنَائِسِهِمْ وَيُمْنَعُونَ خَارِجَهَا وَمَنْ حَمَلَ الْخَمْرَ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَتِهِمُ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُنِعَ وَتُكْسَرُ الْخَمْرُ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا وَإِنْ قَالُوا لَا نَبِيعُهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَإِنْ أَظْهَرُوا نَاقُوسًا كَسَرْنَاهُ وَإِنْ وَجَدْنَا سَكْرَانًا أَدَّبْنَاهُ وَإِنْ أَظْهَرُوا صُلُبَهُمْ فِي عِيدٍ أَوِ اسْتِسْقَاءٍ كَسَرْنَاهَا وَأَدَّبْنَاهُمْ وَيُخْفُونَ أَصْوَاتَ نَوَاقِيسِهِمْ وَقِرَاءَتَهُمْ فِي كنائسهم.

.النَّوْع الثَّانِي يمْنَعُونَ من ركوب الْبِغَالِ:.النَّوْعُ الثَّالِثُ يُمْنَعُونَ مِنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ:

وَيُضْطَرُّونَ إِلَى الْمَضِيقِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الطَّرِيقُ خَالِيًا لِمَا يُرْوَى عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تبدؤهم بِالسَّلَامِ والجؤهم إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ وَلَا يَتَشَبَّهُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الزِّيِّ وَيُؤَدَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الزَّنَانِيرِ لِأَنَّ اللُّبْسَ يُؤَدِّي إِلَى تَعْظِيمِهِمْ دُونَ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَدْخُلُونَ الْمَسَاجِدَ وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَن يخْتم فِي رِقَاب رجال أهل الذِّمَّة بالرصاص ويظهرون مَنَاطِقَهُمْ وَيَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ وَيَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ عَرْضًا وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمُّوهُمْ وَلَا تُكَنُّوهُمْ وَأَذِلُّوهُمْ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ وَنَهَى أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُم كَاتبا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} آل عمرَان 118 وَنَهَى عَنْهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقَامُوا مِنَ الْأَسْوَاقِ وَقَالَهُ مَالِكٌ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يُوجب نقض الْعَهْد وَمَا لَا يُوجب:

وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ أَو غَيره أدبناهم وَلَا ينْتَقض بِهِ الْعَهْد وَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ بِالْقِتَالِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وإكراه الْمسلمَة على الزِّنَا فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ لَا لِلْحَدِّ وَكَذَلِكَ التَّطَلُّعُ إِلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ فكحكم الْمُسلمين وتعرضهم لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُوجِبُ الْقَتْلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَرُوِيَ يُوجَعُ أَدَبًا وَلَا يُتْرَكُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ إِنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُزِّرَ أَوْ كَذَّبَهُ فَمُرْتَدٌّ وَإِنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَو رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ قُتِلَ حَدًّا وَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ فَإِنَّ إِظْهَارَ ذَلِكَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ بَاطِنِهِ فَيَكُونُ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُعْلَمُ تَوْبَتُهُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُرْتَدِّ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ زَنَى بِالْمُسْلِمَةِ تَطَوُّعًا لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَانْتَقَضَ عَهْدُهُ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَإِنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ نَقْضٌ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنِ اغْتَصَبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَقْضٍ وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فَإِنْ عُوهِدَ على انه مَتى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَقْضٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ عُوهِدَ عَلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ وَيُتْرَكُ فَهُوَ كَذَلِكَ وَفَاءً بِالْعَهْدِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَقْضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ وَقَتْلِهِ وَسَبْيِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِذَا أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِمَّا نَذْكُرُهُ وَهُوَ إِعْطَاءُ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فِي انْقِضَاءِ كُلِّ عَامٍ قَمَرِيٍّ صرف كل دِينَار أثنا عشر درهما وَإِن لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا بِيعَةً وَلَا دَيْرًا وَلَا صَوْمَعَةً وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنَ النُّزُولِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَيُوَسِّعُوا أَبْوَابَهَا لِلنَّازِلِينَ وَيُضَيِّفُوا من مر بهم من الْمُسلمين ثَلَاثًا وَإِن لَا يأووا جَاسُوسًا وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادهم الْقُرْآن وَلَا يمْنَعُونَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام ويوتروا الْمُسلمين ويقوموا لَهُم من الْمَجَالِسِ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ وَلَا فَرْقِ شَعَرِهِمْ وَلَا يَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِهِمْ وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ وَلَا يَرْكَبُوا السُّرُوجَ وَلَا يَتَقَلَّدُوا شَيْئًا مِنَ السِّلَاحِ وَلَا يَحْمِلُوهُ مَعَ أنفسهم وَلَا يتخذوه وَلَا ينقشوا فِي خواتمهم بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يبيعون الْخمر ويجزون مقادم رُؤْسهمْ ويشدون الزنانير وَلَا يظهرون الصَّلِيب وَلَا يجاورون الْمُسلمين بموتاهم وَلَا يظهرون فِي طَرِيق الْمُسلمين نَجَاسَة ويخفون النواقيس وأصواتهم وَلَا يظهرون شَيْئا من شعائرهم وَلَا يتخذون مِنَ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ ويرشدون الْمُسلمين وَلَا يطلعون عَلَيْهِم عدوا وَلَا يعْرفُونَ مُسلما شَيْئا من كفرهم وَلَا يَسُبُّوا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَحْرَى الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا يظهرون خَمْرًا وَلَا نِكَاحَ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَأَنْ يُسَكِّنُوا الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ فَمَتَى أَخَلُّوا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ اخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ وَقَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ.
تَمْهِيدٌ:
هَذِهِ الْقُيُودُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ اشْتُرِطَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوِ اسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ صاغرون} وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدْ يَسْبِقُ إِلَى خَاطِرِ الْفَقِيهِ أَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا مُتَّجِهٌ وَأَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَشْفُ الْحِجَابِ عَنِ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ نَقُولَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ عَاصِمٌ لِلدِّمَاءِ كَالْإِسْلَامِ وَقَدْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمَ سَائِرَ التَّكَالِيفِ فِي عَقْدِ إِسْلَامِهِ كَمَا أَلْزَمْنَا الذِّمِّيَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي عَقْدِ أَمَانِهِ فَكَمَا انْقَسَمَ رَفْضُ التَّكْلِيفِ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ وَيُبِيحُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّاتِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ ضَرْبَانِ كَبَائِرُ تُوجِبُ التَّغْلِيظَ بِالْعُقُوبَةِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ وَصَغَائِرُ تُوجِبُ التَّأْدِيبَ دُونَ التَّغْلِيظِ فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ تَنْقَسِمُ شُرُوطُهُ إِلَى مَا يُنَافِيهِ كَالْقِتَالِ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَحْكَامِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُمَا مَقْصُودُ الْعَقْدِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُوَ عَظِيمُ الْمَفْسَدَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ كَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَإِلَى مَا هُوَ كَالصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ كَسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَا يَنْفِيَانِ الْإِسْلَامَ وَلَا يُبْطِلَانِ عصمته للدماء وَالْأَمْوَال فَكَذَلِك لَا يبطلان عصمَة عقد الْجِزْيَة وَلَا يبطلانه لعدم منافاتها لَهُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ عَقْدًا مِنَ الْعُقُود إِلَّا مَا يُنَافِي مَقْصُوده فَكَذَلِك هَا هُنَا فَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَظْهَرُ إِشْكَالٌ فِي إِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ على الزِّنَا وَجعله نَاقِصا بَلْ إِلْحَاقُهُ بِالْحِرَابَةِ مُتَّجِهٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعُمُومِ مَفْسَدَةِ الْحِرَابَةِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَخْرُجُ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا تَلَصَّصَ الذِّمِّيُّ فَقَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ فَهُوَ كَالْمُحَارِبِ الْمُسْلِمِ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ خَرَجُوا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَامْتَنَعُوا فِي غَيْرِ ظلم وَالْإِمَام عَادل فهم فَيْء كَمَا فعل عَمْرو بن الْعَاصِ بالإسكندرية لما عصب عَلَيْهِ بعد الْفَتْح قَالَ التّونسِيّ لم يَجْعَل الْقَتْلُ فِي الْحِرَابَةِ نَقْضًا وَهُوَ يَقُولُ غَصْبُ الْمسلمَة على الوطئ نَقْضٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ اقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ رُدُّوا إِلَى ذِمَّتِهِمْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ حِرَابَةُ الذِّمِّيِّ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ وَلَا يُؤْخَذُ وَلَدُهُ لِبَقَاءِ الْعَهْدِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحِرَابَةِ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إِنْ كَانَ مَنْ ظلم فَهُوَ نقض لأَنهم لم يعاهدوا أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ ظَلَمَهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُخْبِرَ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ مُسْلِمَة فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ إِنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَأَن يَهُودِيًّا دَهَنَ نَاقَتَهُ وَعَلَيْهَا امْرَأَةٌ فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ فَقَتَلَهُ ابْنُهَا فَأَهْدَرَ دَمَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا غَصَبَ مُسْلَمَةً فَلَهَا الصَّدَاقُ مِنْ مَالِهِ وَالْوَلَدُ عَلَى دِينِ أُمِّهِ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقْضُ عَهْدِهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا حَارَبت الذِّمَّةُ وَظُفِرَ بِهِمْ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ قُتِلُوا وَسُبِيَ نِسَاؤُهُم وَلَا يعرض لِمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ مَعَهُمْ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَلَوْ ذَهَبُوا لِبَلَدِ الْحَرْبِ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَتركُوا أَوْلَادهم لم يسبوا بِخِلَاف إِذَا ذَهَبُوا بِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِظُلْمٍ أَصَابَهُمْ إِلَّا أَنْ يُعِينُوا عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ وَقَالَ أَيْضًا: إِذَا حَارَبُوا وَالْإِمَامُ عَدْلٌ اسْتَحَلَّ سَبْيَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ إِلَّا مَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَالضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَصْبَغُ وَأَلْحَقَ الضُّعَفَاءَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي النَّقْصِ كَمَا اندرجوا مَعَه فِي الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَى ذَرَارِيَّ قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ بَعْدَ النَّقْصِ كَمَا انْدَرَجُوا بِالْعَهْدِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا اسْتَوْلَى الْعَدو على مَدِينَة للْمُسلمين فِيهَا ذمَّة فغزونا مَعَهُمْ وَاعْتَذَرُوا بِالْقَهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا قُتِلَ وَإِلَّا أطيل سجنه وَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَقَدْ سَرَقُوا أَمْوَالًا وَعَبِيدًا ثُمَّ صَالَحُونَا عَلَى الْعَوْدِ لِلذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَى السَّرِقَةِ إِلَّا بَعْدَ الصُّلْحِ خَيَّرَهُمُ الإِمَام بَين ردهَا وَبَين عودهم إِلَى الْجِزْيَةِ وَإِنِ اشْتَرَطُوهَا فَلَا كَلَامَ لَهُ وَكَذَلِكَ مَا أَخَذُوهُ فِي الْحِرَابَةِ بَعْدَ النَّقْصِ قَالَ الْمَازرِيّ وينتقض الْعَهْد إِذا صَار علينا للحربيين.